زلزال تركيا 2023- دمار، تضامن، ودروس التعايش مع الكوارث

المؤلف: كمال أوزتورك11.18.2025
زلزال تركيا 2023- دمار، تضامن، ودروس التعايش مع الكوارث

في مثل هذا اليوم من العام الفائت، تلقت تركيا نبأً جللاً؛ زلزال مدمر ضرب ولاياتها الشرقية. لم نكن نتصور آنذاك أن هذا الزلزال سيتحول إلى الكارثة الأعظم والأكثر تدميراً التي تشهدها البلاد منذ قرن.

وما إن بدأت الحقائق تتكشف، حتى استوعبنا حجم الفاجعة التي حلت بنا. زلزالان عنيفان، بلغت قوتهما 7.7 درجة على مقياس ريختر، ضربا إحدى عشرة ولاية مترامية الأطراف، تعادل مساحتها مساحة منطقة البلقان بأكملها. وعلى الفور، توجهتُ إلى المناطق المتضررة.

طفل نشأ على وقع الزلازل

لقد ترعرعتُ في مدينة سكاريا، المدينة التي عانت مرارة الزلازل، والواقعة على خط الصدع النشط الذي لطالما شهد هزات أرضية مدمرة. منذ نعومة أظفارنا، كانت حكايات الزلزال الكبير الذي وقع عام 1968 تتردد في أذهاننا. ثم عايشتُ بنفسي الرعب والهلع الذي خلفه زلزال عام 1999.

في ذلك العام المشؤوم، ضرب زلزال بقوة 7.4 درجات على مقياس ريختر مدينتنا، محولاً إياها إلى خراب ودمار. فقدنا أحباءنا وأقاربنا وجيراننا تحت الأنقاض. الشوارع والمنازل والمدارس التي تحمل ذكرياتنا الجميلة تحولت إلى ركام. لقد فقدنا زهاء 18 ألف شخص جراء تلك الكارثة المروعة.

وعندما زرتُ المدن المنكوبة جراء زلزال عام 2023، أدركتُ بمرارة أننا أمام كارثة أكبر وأشد فتكاً من تلك التي عانينا منها في الماضي.

مدن تم محوها من الخريطة

أحد عشرة ولاية تضررت بفعل الزلزال، ولكن خمس مدن تحديداً شهدت دماراً شاملاً. بدأت جولتي الميدانية بتفقد هذه المدن واحدة تلو الأخرى.

هاتاي، أديامان، قهرمان مرعش، ملاطيا، غازي عنتاب… منطقة جغرافية واسعة، يقطنها ما يقارب 13 مليون نسمة، وجدت نفسها أمام تحدٍ هائل في تلبية الاحتياجات الضرورية لعمليات البحث والإنقاذ.

صرخات الاستغاثة التي كان يطلقها المحاصرون تحت الأنقاض، والذين كانوا يتشبثون بأمل النجاة، ظلت تطاردنا وتدوي في آذاننا. كنا نمارس عملنا الصحفي بكل تفانٍ وإخلاص، وفي الوقت نفسه، كنا نسعى جاهدين لتقديم العون والمساعدة.

كان برد الشتاء قارساً في تلك الليالي الحالكة. وعلى الرغم من تدفق المساعدات من مختلف أنحاء تركيا، إلا أنها لم تكن كافية لمواجهة حجم الكارثة. لقد كان الدمار هائلاً لدرجة أن أحياء بأكملها سويت بالأرض، وأصبح الوصول إليها ضرباً من المستحيل. بعض المناطق في هذه المدن اختفت الآن من الوجود، ومحيت من الخريطة.

نموذج رائع للتضامن

في مواجهة كارثة بهذا الحجم، عجزت المؤسسات الحكومية عن تقديم الاستجابة الكافية. ولكن، سرعان ما هبّت البلاد بأسرها لتقديم الدعم والمساعدة. رجال الأعمال سارعوا بإرسال المعدات الثقيلة، مثل الرافعات والحفارات والمولدات والآلات، بالإضافة إلى الملابس والمواد الغذائية.

لم يقتصر الدعم على تركيا فحسب، بل تدفقت المساعدات من مختلف دول العالم. كان النقص في فرق البحث والإنقاذ يمثل التحدي الأكبر الذي واجهناه. ثم برزت الحاجة الماسة إلى توفير الخيام والحاويات لإيواء المتضررين.

في هذه الظروف الصعبة، حظيت دولة قطر بمكانة خاصة في قلوب الشعب التركي، وذلك بفضل مساعداتها القيمة. وبفضل الجهود المضنية التي بذلها سعادة الشيخ محمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني، سفير قطر في أنقرة، وسعادة الدكتور مصطفى كوكصو، سفير تركيا في الدوحة، تم إرسال ما يناهز 1000 طن من المساعدات العينية، بالإضافة إلى 56 مليون دولار من المساعدات النقدية إلى تركيا.

لا يمكن أن ننسى مشاهد التضامن والتكاتف التي رأيناها في المدن المنكوبة. لقد توحد الناس بشكل غير مسبوق، ولم تتمكن أي اختلافات سياسية أو دينية أو فكرية من زعزعة هذا الاتحاد والتلاحم.

أستطيع القول بكل ثقة إننا نجحنا في اختبار التضامن الوطني في مواجهة هذه الكارثة الكبرى، ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن أداء الساسة.

حصيلة كارثية

لفترة طويلة، لم نتمكن من حصر عدد الضحايا والجرحى والمباني المتضررة. واستغرقت المؤسسات الحكومية ما يقارب 15 يومًا للعودة إلى العمل بكامل طاقتها.

وعندما اتضحت الصورة الكاملة، أدركنا أنه لا توجد دولة بمفردها قادرة على مواجهة مثل هذه الكارثة. والأرقام والإحصائيات كانت مروعة:

  • فقدان 57 ألف شخص أرواحهم.
  • إصابة 107 آلاف شخص بجروح.
  • تضرر 200 ألف مبنى بشكل كبير.
  • تدمير 38 ألف مبنى بالكامل.
  • تأثر 13 مليون شخص بشكل مباشر بهذه الكارثة.
  • وما زال 691 ألف شخص يقيمون في حاويات حتى الآن.

علينا التعايش مع الزلازل

تركيا تقع في منطقة تشتهر بالزلازل. عبر القرون، شهدت البلاد زلازل مدمرة. ولكن، للأسف، لم نقم ببناء مدننا على أسس مقاومة للزلازل. ومعظم المباني التي انهارت خلال الزلزال الأخير لم يتم بناؤها وفقًا للمعايير الهندسية المقاومة للزلازل.

كما أن مؤسساتنا لم تكن مستعدة لمواجهة زلازل واسعة النطاق كهذه. ولكننا الآن بصدد استخلاص الدروس والعبر من هذه التجربة القاسية. يجب علينا أن نتعلم من أخطائنا، لأننا نتوقع وقوع زلزال كبير آخر في مدينة إسطنبول.

معظم مباني مدينة إسطنبول غير مقاومة للزلازل. وربما سنشهد أكبر عملية تحول حضري في العالم في إسطنبول.

وبناءً على ذلك، يجب أن يخضع ما يقرب من 1.5 مليون مبنى لعملية التحول الحضري. ومن بين هذه المباني، يوجد 90 ألف مبنى يجب هدمها وإعادة بنائها على الفور. كما تجري إعادة تقييم شاملة للطرق والساحات والسدود والجسور والأنفاق، ويجري العمل على تعزيز وتدعيم بعضها.

باختصار، يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة الزلازل المستقبلية، وألا ننسى أبدًا يوم السادس من فبراير/ شباط 2023.

 

 

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة